العناد سلوك قد يهدِّد الأسرة أحياناً ويقودها نحو طريق مسدود، فالآباء والأُمّهات يبذلون ما بوسعهم لتنشئة ورعاية أطفالهم، إلا أن إخفاقهم في إيجاد حلول مناسبة لعناد أطفالهم يُسبِّب مشاكل عديدة.
فما العمل حين يصطدم الوالدان بعناد ورفض الأطفال؟
القمع والسيطرة والإنقياد قد تؤدِّي إلى العناد. يعرف علماء النفس العناد بأنه موقف نظري أو تصرف تجاه مسألة أو موقف معيّن، بحيث يكون الشخص المعاند في موقع المعارضة أو الرفض، وهذا يعني أنّ العناد سلوك إنساني سوي، لأننا في الحياة اليومية قد نتخذ موقف الرفض تجاه عدة أمور. فإذا كان رفضاً غير مرغوب فيه من شخص آخر أو مضاداً لموقف شخصي أو أنه رأي وسلوك مخالف، فإننا نكون أمام صراع بين سلوكين أو بالأحرى موقفين متقابلين، والتمسك الشديد بأحدهما يطلق عليه العناد.
وللتمسك الشديد به عند الأطفال أسباب عديدة منها عدم قبولهم الوضع القائم، ورفضه يعني الإصرار على تحقيق وضع آخر يراه الطفل أكثر مناسبة وراحة.
فقد يصر الطفل على مخالفة جدته كلما نصحته بعمل شيء ويأبى الانصياع لتعليمها بناء على اعتقاد بأن معلوماته قديمة ولا تواكب العصر، ومثل هذه المواقف تنطبق على مواقف عامة من شخص أو مجموعة أشخاص.
- معالجة تربوية:
يؤكد علماء النفس وعلماء الإجتماع على ضرورة التعامل مع الطفل العنيد بطريقة الاستجابة لتصرفه، أي لا نقوم بالصراخ أكثر إذا كان يصرخ، وألا نبدي سخطاً أشد إن كان الطفل في حالة من السخط، وألا نوجِّه له عبارات جارحة كرد على استخدامه عبارات عنيفة، بل يجب اللجوء إلى الكلام والحديث الذي يناسب الحوار والموقف لنقل الطفل المعاند من حالة الفعل إلى الإنفعال، تنقله من حالة الهجوم إلى حالة الدفاع.
نحن بذلك نقوم بتغيير حالته السلوكية والفكرية ما يُساعد على فتح حوار معه لمعرفة الأساس الذي بني عليه رأيه أو موقفه المعاند لنقرر ماذا يجب فعله. أحياناً قد يكون الطفل على حق في عناده، وقد يكتشف الوالدان ذلك، وإذا ما كان الطفل على حق عليهم أن يتراجعوا عن رأيهم أو موقفهم وأن يصرحوا بالأسباب التي بنوا عليها قناعتهم التامّة. في هذه الحالة سيكون الكبار قدوة للتراجع عن موقف العناد في حياة الطفل، ويجب أن يبدأ الآباء والأُمّهات في ذلك منذ سن الطفولة المبكرة. أمّا بالنسبة للأطفال الذين هم أكبر سناً، فيجب أن نميِّز بين العناد السلبي والعناد الإيجابي لديهم، فكثيراً ما يكون العناد نوعاً من طرق التعبير عن الوجود، أو تأكيد وجود الذات تجاه الآخر لأنّه أحد الطرق السهلة للفت النظر.
- عناد الطفل وواقع الشخصية:
يجب أن يعرف الكبار أن للطفل حقوقاً لا تختلف عن حقوق البالغين وإنها ليست حقوقاً مع وقف التنفيذ، أي أنّها مؤجلة حتى يكبر، فكثير من الأمور التي يصنفها الكبار بأنّها حالة عناد من الصغار تكون بسبب سياسة القمع والسيطرة والانقياد التي تربوا عليها، أو التي يظنون أنّها من مقومات التربية الأفضل أو الأخلاق والتهذيب.
ولعل أكثر حالات سوء التفاهم الناشئة عن العناد بين الكبار والصغار هي بسبب ميل الكبار إلى عدم المخالفة، والعودة إلى مسألة الحقوق والواجبات أمر لابدّ منه لتحديد ما الذي يجب أن يقدّم للطفل وما الذي يجب أن يقدِّمه هو ثمّ بعد ذلك يجري تحديد الشخص العنيد. ومساعدة صاحب الموقف الخاطئ من خلال إظهار ما ينطوي عليه الموقف من مخالفة أو تجاوز. فإذا عانَد الطفل بعد هذا النوع من التفاهم فسوف نضعه أمام مسؤولياته التي قد يكون من نتيجتها حرمانه من عدة أمور معنوية أو مادية تجعله يدرك أن المعاندة السطحية أو السخيفة قد تكلِّفه ثمناً.
- ما هي أسباب عناد الأطفال؟
سلوك العناد هو عبارة عن ردود فعل من الطفل إذا أصرّت الأُم على تنفيذ الطفل لأمر من الأوامر، كأن تطلب من الطفل أن يلبس ملابس ثقيلة خوفاً عليه من البرد، وفي الوقت الذي يريد فيه أن يتحرّك ويجري ممّا يعرقل حركته، ولذلك يصر على عدم طاعة أوامرها.
وأحياناً يلجأ الطفل إلى الإصرار على لبس ملابس معيّنة هو الذي يختارها وليس والدته لأنّه يريد التشبُّه بأبيه مثلاً أو أخ أكبر، أو أنّه يريد تأكيد ذاته وأنّه شخص مستقل وله رأي مخالف لرأي أُمّه وأبيه.
ويرفض الطفل أي لهجة جافة من قبل والديه وخاصّة اللهجة الآمرة، ويتقبّل الأسلوب اللطيف، والرجاء الحار لتنفيذ ما يطلب منه، أمّا إصرار الأُم بقوة على تنفيذ الأوامر يجعل الطفل يلجأ إلى العناد والإصرار على ما يريده هو وليس ما يطلب منه.
- وللعناد أشكال كثيرة:
* عناد التصميم والإرادة:
وهذا العناد يجب أن يُشجَّع ويُدعَّم؛ لأنّه نوع من التصميم، فقد نرى الطفل يُصر على تكرار محاولته، كأن يصر على محاولة إصلاح لعبة، وإذا فشل يصيح مصرّاً على تكرار محاولته.
* العناد المفتقد للوعي:
يكون بتصميم الطفل على رغبته دون النظر إلى العواقب المترتبة على هذا العناد، فهو عناد أرعن، كأن يصرّ الطفل على استكمال مشاهدة فيلم تلفازي بالرغم من محاولة إقناع أُمّه له بالنوم؛ حتّى يتمكّن من الاستيقاظ صباحاً للذهاب إلى المدرسة.
* العناد مع النفس:
نرى الطفل يحاول أن يعاند نفسه ويعذِّبها، ويصبح في صراع داخلي مع نفسه، فقد يغتاظ الطفل من أُمّه؛ فيرفض الطعام وهو جائع، برغم محاولات أُمّه وطلبها إليه تناول الطعام، وهو يظن بفعله هذا أنّه يعذب نفسه بالتّضوُّر جوعاً.
* العناد اضطراب سلوكي:
الطفل يرغب في المعاكسة والمشاكسة ومعارضة الآخرين، فهو يعتاد العناد وسيلةً متواصلةً ونمطاً راسخاً وصفةً ثابتةً في الشخصية، وهنا يحتاج إلى استشارة من متخصّص.
عزيزتي الأُم: وبعد أن عرفتي السبب الذي يجعل الطفل يعاند، لابدّ أن تضعي في اعتبارك أنّه بإمكانك التغلّب على هذه المشكلة في حال معرفتك لبعض الصفات حتّى نعرف إذا كان طفلك تنطبق عليه صفة العناد الشديد، لذا عليك الإجابة عن هذه التساؤلات أوّلاً:
* هل يفقد طفلك توازنه ويتعكر مزاجه بسهولة؟
* هل هو دائماً يجادل الآخرين بحدة؟
* هل يتعمد مضايقة الآخرين بتصرفاته؟
* هل يتحدى الأوامر في أغلب الأوقات؟
* هل يلوم الآخرين (أخوته) فيما وقع هو فيه من أخطاء؟
* هل يصر بشدة على الإنتقام؟
وعند محاولة مساعدة الطفل بأن يكون طفلاً عادياً وغير عنيد، يجب عليك أن تتدرّبي على بعض المهارات في كيفية التعامل مع الطفل العنيد لكي يتخلص من عناده.
ويتطلب التدريب أن تقومي بالآتي:
* يجب أن تحرصي على جذب انتباه الطفل كأنّ تقدِّمي له شيئاً يحبّه مثل لعبة صغيرة أو قطعة حلوى، ثمّ تسدي له الأوامر بأسلوب لطيف.
* عليك بتقديم الأوامر له بهدوء وبلطف وبدون تشدد أو تسلط، وقومي بالربت على كتفه أو احتضنيه بحنان، ثمّ اطلبي برجاء القيام ببعض الأعمال التي تريدين منه أن يقوم بها.
* تجنّبي دائماً إعطاء أوامر كثيرة في نفس الوقت.
* يجب أن تثبتي في إعطاء أمر واحد لمرة واحدة دون تردد، اي ألا نأمر بشيء ثمّ ننهى عنه بعد ذلك.
* يجب إعطاء الأوامر لعمل شيء يعود على الطفل بفائدة أي أن يقوم بعمل شيء لنفسه وليس القيام بعمل شيء للآخرين، أي تجنبي بأن تقولي للطفل أن يعطي كأساً من الماء لأخته مثلاً.
* يجب مكافأة الطفل بلعبة صغيرة أو حلوى يحبها في كل مرة يطيع فيها أوامرك.
* تجنّبي اللجوء إلى العقاب اللفظي أو البدني كوسيلة لتعديل سلوك العناد عند الطفل.
* يجب عليك متابعة الطفل بأسلوب لطيف وبعيداً عن السيطرة، وسؤاله عما إذا نفّذ الأمر أم لا، مثلاً يجب عليك أن تتابعيه في حالة طلبك منه أداء الواجب المدرسي.
- بعض النصائح للتعامل مع الطفل العنيد:
* تجنّبي الإختلاف مع طفلكِ باختيار التوقيت المناسب لما تطلبينه منه، حتى لا يضطر طفلكِ ترك ما يفعله ليقوم بما تريدينه أنتِ.
* كوني واقعية عند تحديد الموضوعات القابلة للتفاوض، لكي تسمحي لطفلك بفرصة اختيار بعض الأشياء الخاصة به مثل الملابس التي يريد ارتداؤها أو فيلم الكرتون الذي يريد مشاهدته.
* كوني واقعية عند تحديد الموضوعات الغير قابلة للتفاوض، والتي لن تغيريها مهما عارضها طفلكِ، على سبيل المثال: القواعد الأمنية لطفلكِ والذهاب إلى المدرسة من المواضيع التي لا يقبل فيها التفاوض.
* اطلبي من طفلكِ ما تريدينه أن يفعل بطريقة لطيفة ولكن طبيعية دون استجداء.
* ضعي في اعتبارك أن تكون طلباتك معقولة.
* امدحي طفلكِ عندما يكون متعاوناً أو عندما يحسن التصرّف.
* استخدمي الروتين والتكرار لأنّهما وسيلتين فعالتين لتعليم الطفل.
- لا تفعلي..
* لا تردّي على طفلكِ بنفس الطريقة العنيدة، ابقي هادئة ولا تتحدي طفلكِ بأن تكوني عنيدة أكثر منه.
* كوني حاسمة ولا تستسلمي لعناد طفلكِ حتّى يعرف حدوده.
* لا تقولي للطفل أنكِ ستعاقبينه ثمّ لا تفعلين، ذلك إذا استمر الطفل في سلوكه السيِّئ. إن أفضل وسيلة للعقاب هي أن تحرمي الطفل من شيء يحبّه، لكن الضرب والشتائم لن تجدي، ولكن فقط ستجعله يشعر بالمهانة.
* لا تقلقي أكثر من اللازم إذا أخطأت أثناء تهذيب طفلكِ، فلا يوجد إنسان كامل، لكنّ تعلمي من خطأك، واعرفي كيف يمكنك التعامل مع الموقف بشكل أفضل في المرة التالية.
- إهتمي بتنفيذ طفلكِ لأوامركِ..!!
إنّ عملية إستجابة الأبناء خاصّة في مرحلة الطفولة لأوامر الآباء لمن الأمور التي قد تبدو صعبة أحياناً بالنسبة للأهل خاصّة إن كان الطفل من النوع العنيد أو قد تكون لديه بعض المشاكل السلوكية.
لذلك فيجب على أحد الوالدين قضاء بعض الوقت مع الطفل لتدريبه على الإستجابة للأوامر. ويمكن عمل ذلك بسهولة باختيار وقت لا يكون الطفل مشغولاً فيه ويطلب منه إسداء خدمة بسيطة مثل مناولة المناديل الورقية أو ملعقة أو فوطة.. إلخ، أو أن يقال له: هل من الممكن
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق