الإشكالية في سفر المرأة الحامل، والنصائح الطبية حول ذلك، هي أن ما يتبادر إلى ذهن الكثيرات مقتصر على أن السفر بالطائرة للحامل شيء خطير، بينما الحقيقة عكس ذلك تماماً!
والإشكالية الأخرى، والمترتبة على الأولى، أن ذهنهن ينصرف إلى الطائرة فقط، ولا ينصرف إلى عملية السفر نفسها، بكل ما للسفر من تبعات على البعد عن أماكن توفر الخدمات الطبية العلاجية عند الحاجة إليها، وسهولة التعرض لأي إصابات أو أي أمراض ميكروبية مُعدية خلال السفر، وتأثيرات تغير البيئة المناخية والجغرافية التي تم فيها الحمل وبدء مشواره.
تُؤكد إدارة مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية بالولايات المتحدة في نشرات عام 2008 لإرشادات السفر الطبية، أن مجرد سفر المرأة الحامل بالطائرة المعتادة لا يحمل أي مخاطر صحية على الأم الحامل الطبيعية والسليمة من أية أمراض، ولا على الجنين السليم والخالي من أية اضطرابات صحية.
بل وتُؤكد الكلية الأميركية لطب النساء والتوليد في نص كلام إرشاداتها على أن الأصحاء من النساء، اللواتي يحملن جنيناً واحداً، بإمكانهن السفر بكل أمان حتى بلوغهن الأسبوع 36 من عمر الحمل، أي بدايات الشهر التاسع.
فترة السفر الآمن
ومع هذا، ووفق إرشادات الكلية الأميركية لطب النساء والتوليد، فإن الفترة الأكثر أماناً لسفر المرأة الحامل هي الثلث الثاني من الحمل. أي الفترة ما بين الأسبوع 18 والأسبوع 24 لعمر الحمل.
وخلال هذه الفترة، تشعر المرأة الحامل بأنها مرتاحة أكثر وتتدنى احتمالات تعرضها للمخاطر الصحية جراء السفر وما يجري بالعادة خلاله من أحداث محتملة.
وتحديداً تتدنى احتمالات حصول الإجهاض التلقائي spontaneous abortion أو مخاض الولادة المبكر premature labor.
وتضيف الكلية القول، يجب نُصح المرأة الحامل، في فترة الثلث الأخير من الحمل، بأن تبقى في محيط مسافة 300 ميل من منزلها.
وذلك بسبب الاهتمام في توفير الخدمة الطبية لها فيما لو حصلت اضطرابات مرضية مُصاحبة للحمل. مثل ارتفاع ضغط الدم الحملي أو التهابات الأوردة أو مخاض الولادة المبكر.
وتشدد على ضرورة أن تستشير الحامل طبيبها، المتابع لحالة الحمل، حول أي قرارات قد تتخذها إزاء احتمالات سفرها.
وهنا يُثمر التعاون فيما بين طبيب الحمل والمتخصص الصحي في طب السفر، في وزن فوائد أو مخاطر السفر.
وذلك بناءً على الوجهة المُراد السفر إليها، وطبيعتها الجغرافية والمناخية والسكانية، ومدى توفر الخدمات الصحية فيها، ووسيلة الانتقال، والمدة الزمنية لذلك.
موانع محتملة
وثمة موانع محتملة التأثير السلبي على الحمل أو الأم أو الجنين. وبالعموم، كما تقول إدارة المراكز الأميركية للسيطرة على الأمراض والوقاية في إصدارتها حول طب الرحلات لعام 2008، أن المرأة الحامل التي لديها حالة مرضية مهمة يجب نُصحها بعدم السفر إلى مناطق نائية أو غير المتوفرة فيها وسائل الرعاية الصحية الجيدة.
وتُقسم المراكز السفر إلى سفر محلي وداخلي، وسفر خارجي دولي. وبالنسبة للسفر الدولي الخارجي، تُقسم الموانع المحتملة التأثير السلبي إلى ثلاثة أنواع.
نوع يتعلق بعوامل خطورة ذات علاقة بالحمل نفسه.
ونوع يتعلق بتلك المرتبطة بمخاطر طبية عامة.
ونوع يحمل مخاطر لها صلة بمنطقة الوصول.
- عوامل مرتبطة بالحمل: وهي ما تشمل حصول إسقاط سابق للجنين. أو وجود خلل في إحكام إغلاق عنق الرحم. أو حصول حمل سابق في خارج الرحم، مع الحرص على التأكد من عدم وجود الحمل الحالي خارج الرحم.
أو حصول مخاض للولادة مبكر أو تهتك مبكر للغشاء الأميوني. أو وجود اضطراب في المشيمة، من نواحي عملها وموقع التصاقها وغيره.
أو وجود حالة من الإجهاض المُهدد أو نزيف من خلال المهبل، خلال الحمل الحالي. أو تعدد الأجنة خلال الحمل الحالي. أو وجود اضطرابات في الجنين وصحته.
أو حصول تسمم في أي حمل سابق أو ارتفاع في ضغط الدم أو مرض سكري الحمل. أو أن يكون الحمل لأول مرة لدى منْ تجاوزت سن 35 سنة أو يقل عمرها عن 15 سنة.
- عوامل طبية عامة: وهي ما تشمل حصول جلطات وريدية في السابق، خلال الحمل وما بعده أو مما لا علاقة لها بالحمل.
أو وجود ارتفاع في ضغط الدم الرئوي. أو وجود ربو شديد، أو أي أمراض رئوية مزمنة أخرى.
أو وجود أمراض أحد الصمامات بدرجة مؤثرة على قدرات المرأة.
أو وجود فشل في عضلة القلب بدرجة مؤثرة، أي من الدرجة الثالثة أو الرابعة وفق تصنيف رابطة نيويورك للقلب.
أو وجود ارتفاع في ضغط الدم، أو مرض السكري، أو فشل الكلى، أو أنيميا فقر الدم الحاد، أو أحد أمراض الهيموغلوبين.
يجب أيضاً مراجعة الحالة الصحية خلال الحمل السابق، ويمكن للطبيب تقرير مدى عدم مناسبة وسلامة السفر .. ومن تلك الحالات التي تجعل الطبيب ينصح بعدم السفر:
- حصول نزيف دموي عبر المهبل خلال الثلث الأول أو الأخير من الحمل السابق.
- حصول ولادة مبكرة لجنين غير مكتمل النمو.
- الإصابة بحالة ارتفاع ضغط الدم الحملي، مع تدهور وظائف الكلى.
- الإصابة بمرض السكري الخاص بالحمل.
- الإصابة بالأنيميا المنجلية.
- الحمل بأكثر من جنين.
وفي العموم، على الحامل وزوجها أن يتعرفا على مستشفى قريب في مكان الإقامة الجديدة خلال السفر، وأن يكون لدى الحامل تقرير، ولو مختصر، عن حالتها الصحية وحالة حملها.
- عوامل محلية لمنطقة الوصول: أي التي ذات ارتفاع عال، أو التي توجد بها أوبئة متفشية ذات طبيعة مهددة للحياة، منتقلة إما عبر تناول الأطعمة والمياه، أو التي تنقلها واحدة من الحشرات.
أو المناطق الموبوءة بأنواع شرسة من الملاريا، أي المقاومة لبعض أنواع أدوية الوقاية منها مثل عقار كلوروكوين. أو المناطق التي تتطلب زيارتها تلقي لقاحاً يحتوي ميكروبات مُضعفة.
تحضير الحامل للسفر
ما أن تُقرر المرأة الحامل السفر، فإن عدة أمور يجب عليها الاهتمام بها قبل مغادرتها لمنطقة إقامتها، وهي:
- التأكد الطبي من وجود الحمل داخل الرحم، ونفيه لوجود أي حمل خارج الرحم.
- التأكد من توفر وسريان التأمين الطبي في المنطقة المراد السفر إليها.
- البحث عن مدى توفر مرافق تقديم الرعاية الصحية للحامل، متى ما تمت الحاجة إليها. وخاصة أن تكون ذات كفاءة في التعامل السليم مع مضاعفات الحمل أو الولادة، وإجراء العملية القيصرية.
- التأكد من توفر متابعة الحمل لدى الطبيب المختص، وخاصة عند طول مدة السفر أو وجود اضطرابات صحية تتطلب ذلك. وعلى الحامل عدم إغفال استمرارية المتابعة وفق الجداول الزمنية لذلك.
وبالإضافة إلى الطقم المعتاد للأدوية والمستحضرات الطبية اللازم اصطحابها خلال السفر، فإن على الحامل أخذ بودرة التلك، وميزان لقياس درجة حرارة الجسم، وحبوب الفيتامينات، وأحد مضادات الفطريات الموضعية للمهبل، وحبوب بانادول أو تايلينول لتخفيف الألم وخفض الحرارة، وكريم "صن سكرين" لوقاية الجلد من أشعة الشمس.
وعلى الحوامل في الثلث الأخير من الحمل أخذ جهاز صغير لقياس ضغط الدم وأشرطة تحليل البول لرصد أي زيادة في إفراز البروتينات أو السكر.
وعليهن استشارة طبيبهن حول حمل أي أدوية أخرى، مثل التي تُستخدم في نزلات البرد أو الحساسية أو الإسهال أو الإمساك أو غيرها من الحالات.
نصائح عامة للحامل المسافرة
يجب نُصح المرأة الحامل أن لا تُسافر منفردة، بل بصحبة شخص واحد على أقل تقدير، كما تقوله صراحة المراكز الأميركية للسيطرة على الأمراض والوقاية، التي تُضيف بأنه يجب إخبار الحامل بأن السفر سبب في عدم راحتها.
والمشاكل المعتادة خلال ذلك تشمل الإجهاد والتعب، وحرقة المعدة، واضطرابات الهضم، والإمساك، وإفرازات المهبل، وألم الساق، وتكرار التبول، والبواسير.
ولذا عليها أن تحرص على تقليل تناول الأطعمة المتسببة بالغازات أو الإمساك، مع ملاحظة أن اختلاف الضغط الجوي في الطائرة سبب في زيادة تمدد حجم الغازات، مقارنة بحجمها حال التواجد على سطح الأرض.
وتحرص على شرب السوائل قبل ركوب الطائرة، مع الحرص على تناولها خلال الرحلة لتقليل احتمالات الإصابة بجلطات أوردة الساق. وعلى ممارسة نوع من التمارين، لتحريك الساقين أثناء الجلوس في الطائرة أو السيارة أو القطار.
ولأن عواقب التعرض للمطبات الهوائية أثناء السفر بالطائرة قد تُؤثر على الحامل بشكل أكبر مما قد يحصل مع غيرها، فإن عليها الإبقاء على حزام الأمان مربوطاً طوال الرحلة.
وكذلك من الضروري ربط حزام الأمان حال ركوب السيارة أو حافلة النقل.
وفائدة ربط الحزام للوقاية من عواقب التعرض لأي حوادث تفوق تأثيراته السلبية الضاغطة على الجنين، لأن الجنين يسترد عافيته بسهولة بعد تعرضه لضغط هذه الأحزمة، كما تؤكده المصادر الطبية.
ومن المهم التذكير بضرورة مراجعة الطبيب، للإطمئنان على سلامة الحمل والجنين، بعد التعرض لأي حوادث تصيب البطن، سواءً أثناء التنقل أو السقوط أو الارتطام أو الدفع والمشاحنات.
والسبب أن هذه الإصابات قد ترى الحامل أنها غير مُؤثرة ظاهرياً بينما قد تكون لها تأثيرات داخلية على المشيمة أو الرحم أو الجنين أو غيره.
ومن الضروري معرفة العلامات والأعراض المتطلبة في الحال مراجعة الطبيب. وهي نزيف المهبل، خروج قطع من الدم المتجلط أو الأنسجة عبر المهبل، ألم أو تقلصات في البطن، انقباضات الرحم، تهتك الغشاء الأميوني وخروج سوائل من المهبل، انتفاخ أو ألم في أحد الساقين أو كلاهما، صداع شديد، اضطرابات في الإبصار.
الحوامل ولقاحات السفر
يجب على المرأة التي في سن الخصوبة، وخاصة حينما تُخطط للحمل وترتفع احتمالات نجاحها في ذلك، أن تفكر جدياً في تلقي اللقاحات الواقية من الإصابة بمجموعة مهمة من الأمراض.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق